اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ الجنس : عدد المساهمات : 56607 تاريخ التسجيل : 16/10/2011 الموقع : الاسكندرية المزاج : مشغول
موضوع: الدنيا الإثنين 30 ديسمبر 2013 - 14:54
قال الحافظ ابن الجوزي رحمه الله تعالى : واعلم أن خلقا كثيرا سمعوا ذم الدنيا ولم يفهموا المذموم ، وظنوا أن الإشارة إلى هذه الموجودات التي خلقت للمنافع من المطاعم والمشارب فأعرضوا عما يصلحهم منها فتجففوا فهلكوا . ولقد وضع الله سبحانه وتعالى في الطباع توقان النفس إلى ما يصلحها ، فكلما ضاقت منعوها ظنا منهم أن هذا هو المراد ، وجهلا بحقوق النفس ، وعلى هذا أكثر المتزهدين . كذا قال رحمه الله تعالى . ثم قال : واعلم أن الأرض خلقت مسكنا وما عليها ملبس ومطعم ومشرب ومنكح . وقد جعلت المعادن فيها كالخزائن فيها ما يحتاج إليه ، والآدمي محتاج إلى ذلك لصلاح بدنه الذي هو كالناقة للمسافر ، فمن تناول ما يصلحه لم يذم ، ومن أخذ فوق الحاجة بكف الشره وقع الذم لفعله وأضيف إلى الدنيا تجوزا ، وليس للشره وجه ; لأنه يخرج إلى الأذى ويشغل عن طلب الأخرى فيفوت المقصود ويضر ، بمثابة من أقبل يعلف الناقة ويبرد لها الماء ، ويغير عليها أنواع الثياب ، وينسى أن الرفقة قد سارت فإنه يبقى في البادية فريسة السباع هو وناقته ولا وجه في التقصير في تناول الحاجة من الدنيا ; لأن الناقة لا تقوى على السير إلا بتناول ما يصلحها . وهذا كلام في غاية التحقيق . لم يخرج إلا من جوف صديق والله ولي التوفيق . قال الإمام ابن الجوزي : وإذ قد عرفت المذموم من الدنيا فكن قائما بالقسط لا تأخذ فوق ما يصلحك ، ولا تمنع نفسك حظها الذي يقيمها . كان بعض السلف يقول : إذا وجدنا أكلنا أكل الرجال ، وإذا فقدنا صبرنا صبر الرجال . أرى الدنيا لمن هي في يديه وبالا كلما كثرت عليه تهين المكرمين لها بصغر وتكرم كل من هانت عليه إذا استغنيت عن شيء فدعه وخذ ما أنت محتاج إليه والله لقد سقت الدنيا أربابها سما ، وأبدلتهم من أفراحهم بها هما ، وأثابتهم على مدحهم لها ذما ، وقطعت أكبادهم فماتوا عليها غما . فيا مشغولا بها توقع خطبا ملما ، إياك والأمل أما وأما ، كم نادت الدنيا نادما ، ألهته بالمنادمة ، حتى سفكت بالمنى دمه ، وصاحت به الآيات المحكمة ، وكيف يبصر من في عينه كمه . إياك وإياها فإنها تسحر العقول بالدمدمة ، وتحسر المتبول بالزمزمة ، فشمر عن ساق الجد لتحظى بدار الجد ودع القمقمة ، فإن بعد العاقل عن دار المكر مكرمة شعر : أبالمنزل الفاني تؤمل أن تبقى كفاك بما ترجو وتأمله خرقا وفي كل يوم محدث لك فرقة ترى خطبها خطبا جليلا وإن دقا لعمرك ما الدنيا بباقية ولا بها أحد يبقى فيطمع أن يبقى كان الحسن يقول : لو لم يكن لنا ذنوب نخاف على أنفسنا منها إلا حب الدنيا لخشينا على أنفسنا . والله ما أحد من الناس بسط له دنيا فلم يخف أن يكون قد مكر به فيها إلا كان قد نقص عمله وعجز رأيه . والله إن كان الرجل من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لييبس جلده على عظمه وما بينهما شحم ولا لحم يدعى إلى الدنيا حلالا فما يقبل منها قليلا ولا كثيرا يقول أخاف أن تفسد علي قلبي . والله لقد أدركنا أقواما وصحبنا طوائف منهم . والله لهم كانوا أزهد في الحلال منكم في الحرام . وروى عبد الرحمن المحاربي عن الليث أن عيسى ابن مريم عليه الصلاة و السلام رأى الدنيا في صورة عجوز هتماء عليها من كل زينة ، فقال لها كم تزوجت ؟ قالت لا أحصيهم قال : فكلهم مات عنك أو كلهم طلقك ؟ قالت : بل كلهم قتلت ، فقال عيسى عليه السلام : " بؤسا لأزواجك الباقين ، كيف لا يعتبرون بالماضين " ؟ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : يؤتى بالدنيا يوم القيامة في صورة عجوز شمطاء زرقاء أنيابها بادية مشوهة خلقها ، فتشرف على [ ص: 550 ] الخلائق ، فيقال لهم أتعرفون هذه ؟ فيقولون نعوذ بالله من معرفة هذه ، فيقال هذه الدنيا التي تناحرتم عليها ، بها تقاطعتم الأرحام ، وبها تحاسدتم وتباغضتم واغتررتم ، ثم تقذف في جهنم ، فتنادي يا رب أين أتباعي وأشياعي ؟ فيقول الله سبحانه وتعالى ألحقوا بها أتباعها وأشياعها . واعجبا لمن عرف الدنيا ثم مال إليها ، ورأى غدرها بأهلها ثم عول عليها أستغفر الله الذي لم تزل أفعاله في خلقه معجبات قرن مضى ثم نما غيره كأنه في كل عام نبات أقل من في الأرض مستيقظ وإنما أكثرهم في سبات لا تعتب الأيام في صرفها فليس أيامك بالمعتبات حول خصيب أثره مجدب فاذخر من المخصب للمجدبات إخواني عيوب الدنيا بادية ، ملأت الحاضرة والبادية ، وهي بذلك في كل ناد منادية ، لو تفهم النداء الوجوه النادية : قد نادت الدنيا على نفسها لو كان في العالم من يسمع كم واثق بالعمر أفنيته وجامع بددت ما يجمع ولم تزل الدنيا تصدع بالأحبة والإخوان ، وتفجع بأهل المحبة والأخدان ، وتخدع وتتقلب ، وتلذع وتتلهب : فإن أضحكت أبكت وإن واصلت قلت وإن سالمت خانت وإن سامحت غلت وإن أفرحت يوما فيومان للأسى وإن ما جلت للصب يا صاح أو جلت حلاوتها كالصاب فاحذر مذاقها إذا ما حلت للمرء في البأس أوحلت