القضاء والقدر
===
التسمية ويعني مصطلح
القضاء والقدر' حسب المفهوم الإسلامي: هو خلق وإيجاد الله للأشياء والحوادث والأرزاق حسب علمهِ وأرادتهِ. والقضاء والقدر أمران متلازمان لا ينفك أحدهما عن الآخر، ويقصد بهما معاً ان خلق الله لكل مافي هذا الوجود من سنن الكون، ونظام الحياة واحداثها, وافعال العباد، وأرزاقهم وآجالهم, إنما تقع بعلمِ الله وتقديره لها قبل خلقها. والدليل إلى ما اشار اليه النص السابق حسب المفهوم الإسلامي قول القرآن: (ما أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ، لكي لا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) سورة الحديد آية 22، 23. وحديث رسول الله صلي الله علية وسلم محمد:
ان أول ما خلق الله القلم, فقال: أكتب، فقال: ما أكتب؟ قال أكتب القدر ما كان وما كائن إلى الابد. فكل شيء في هذا الوجود هو وفق علم الله وارادتهِ, لا يعلمه الإنسان ولا يتسنى له ذلك الا بعد وقوعهِ, فتقدير الله وارادته للشيء لا يعني الزام الإنسان بهِ واجبارهِ عليه.
الإيمان
يعتبر الإيمان بالقضاء والقدر الركن السادس من أركان الإيمان والتي لا يتم الإيمان إلا بها ,على حسب ما جاء من الأدلة الشرعية في الكتاب والسنة، وقد جاء في الحديث الذي رواه عمر بن الخطاب عندما قال" بينما نحن عند رسول الله إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر ولا نعرفه حتى جلس إلى النبي فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن إمارتها قال أن تلد الأمة ربتها وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت ثلاثا ثم قال يا عمر هل تدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم"
وحسب هذا المفهوم تقسم الأعمال والأقوال إلى قسمين:
- القسم الأول:أقوال وأعمال تصدر عن الإنسان باختياره وارادتهِ,وهو الارجح لدى اهل العلم.
- القسم الثاني:أقوال وأعمال تصدر عن الإنسان دون أن يكون لهُ إرادة أو أختيار.
لقد خلق [الله] الكون ووضع له قوانينه. ومن ضمن هذه القوانين أن الإنسان له قدرة على الاختيار في أمور وليس له القدرة على الاختيار في أمور أُخرى وكل هذا بمعرفة [الله] واضع هذه القوانين. الأمور الذي سيختارها الإنسان فقط هي التي سيُحاسب عليها. ما تختاره أو لم تختاره.. إذا كنت تحبه أو تكرهه.. لا يعني هذا بالضرورة أنه خير أو شرٌ لك يجب أن تؤمن وترضى بما يُصيبك.. فالضار والنافع هو [الله]
من القضاء والقدر موت أو أذى يُصيب أحد الأحباب. من القضاء والقدر المرض. من القضاء والقدر فقدان المال.
على الإنسان أن يستغل وقته ليس في انتظار القضاء والقدر ولكن العمل بالأسباب.
للإيمان بالقدر أهمية كبرى بين أركان الإيمان ، يدركها كل من له إلمام ولو يسير بقضايا العقيدة الإسلامية وأركان الإيمان ؛
ولذلك ورد التنصيص في السنة النبوية على وجوب الإيمان بالقدر خيره وشره .
وترجع أهمية هذا الركن ومنزلته بين بقية أركان الإيمان إلى عدة أمور :
الأول :
ارتباطه مباشرة بالإيمان بالله – تعالى – وكونه مبنياً على المعرفة الصحيحة بذاته – تعالى – وأسمائه الحسنى ، وصفاته الكاملة الواجبة له – تعالى
وقد جاء في القدر صفاته سبحانه صفة العلم ، والإرادة ، والقدرة ، والخلق ، ومعلوم أن القدر إنما يقوم على هذه الأسس .
الثاني :
حين ننظر إلى هذا الكون ، ونشأته ، وخلق الكائنات فيه ، ومنها هذا الإنسان ، نجد أن كل ذلك مرتبط بالإيمان بالقدر .
الثالث :
الإيمان بالقدر هو المحك الحقيقي لمدى الإيمان بالله – تعالى – على الوجه الصحيح ، وهو الاختبار القوى لمدى معرفته بربه – تعالى -
، وما يترتب على هذه المعرفة من يقين صادق بالله ،وبما يجب له من صفات الجلال والكمال ؛ وذلك لأن القدر فيه من التساؤلات والاستفهامات الكثيرة لمن أطلق لعقله المحدود العنان فيها .
- مراتب القـــدرعند العلماء
مراتب القدر أربع هي :
العلم ، الكتابة ، المشيئة ، الخلق :
المرتبة الأولى : مرتبة العلم
علمه السابق بما هم عاملوه قبل إيجادهم .
المرتبة الثانية : مرتبة الكتابة
كتابة ذلك في الذكر عنده قبل خلق السماوات والأرض .
المرتبة الثالثة : مرتبة الإرادة والمشيئة
مشيئته المتناوله لكل موجود ، فلا خروج لكائن عن مشيئته ، كما لا خروج له عن علمه
المرتبة الرابعة : مرتبة الخلق
خلقه له وايجاده وتكوينه فإنه لا خالق الا الله والله خالق كل شيء والخالق عندهم واحد وما سواه فمخلوق ولا واسطة عندهم بين الخالق والمخلوق .
يقول شيخ المالكية في المغرب ابن أبي زيد القيرواني :
(( والإيمان بالقدر خيره وشره ، حلوه ومره ، وكل ذلك قد قدره الله ربنا ، ومقادير الأمور بيده ، ومصدرها عن قضائه ،
علم كل شيء قبل كونه ، فجرى على قدره ، لا يكون من عباده قول ولا عمل إلا وقد قضاه وسبق علمه به ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير) [ الملك : 14 ]
يضل من يشاء فيخذله بعدله ، ويهدي من يشاء فيوفقه بفضله ، فكل ميسر بتيسيره إلى ما سبق من علمه ،
وقدره من شقي أو سعيد ، تعالى أن يكون في ملكه ما لا يريد ، أو يكون لأحد عنه غنى ، خالقاً لكل شيء ، ألا هو رب العباد ، ورب أعمالهم ، والمقدر لحركاتهم وآجالهم .
ويقول الإمام البغوي في شرح السنة : ((الإيمان بالقدر فرض لازم ، وهو أن يعتقد أن الله- تعالى – خالق أعمال العباد ،
خيرها وشرها ، كتبها عليهم في اللوح المحفوظ قبل أن خلقهم ، قال تعالى ( والله خلقكم وما تعملون ) [ الصافات : 96 ] ،
وقال عز وجل : ( قل الله خالق كل شيء ) [ الرعد : 16 ] ،
وقال عز وجل : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر) [ القمر : 49 ] ،
فالإيمان والكفر ، والطاعة والمعصية ، كلها بقضاء الله وقدره ، وإرادته ومشيئته ، غير أنه يرضي الإيمان والطاعة ، ووعد عليها الثواب ، ولا يرضى الكفر
والمعصية ، وأوعد عليها العقاب ،والقدر سر من أسرار الله لم يطلع عليه ملكًا مقربًا ، ولا نبيًا مرسلاً ،
لا يجوز الخوض فيه ، والبحث عنه بطريق العقل ، بل يعتقد أن الله – سبحانه وتعالى – خلق الخلق فجعلهم فريقين :
أهل يمين خلقهم للنعيم فضلاً ، وأهل شمال خلقهم للجحيم عدلاً .