الرجل السوداني لا يعني ان دوره في الإعداد المسبق لاستقبال شهر رمضان هو دور ثانوي لا يستحق الكثير من الاهتمام، ولكن المرأة تتسع عندها دائرة الاهتمام بالشهر اكثر منه فتجدها تعد العدة باكرا بشيء من التخطيط والبرمجة وإعداد الميزانية الكافية التي تحتاجها في تنفيذ مطالبها التي تعتبرها جزءا من واجبها المنزلي عندها يكون الرجل محاصرا بكثير من الطلبات المالية، لأن المرأة تحتاج لمزيد من المال لتغطية احتياجاتها في رمضان من تغيير أوان منزليه وأطباق خاصة برمضان
وغيرها من الأشياء الأخرى ولكن صناعة مشروب الحلو مر (الابري) هو برنامج روتيني درجت عليه المرأة من زمن بعيد حيث تبدأ صناعته في شهري رجب وشعبان. لذلك وفي الأيام الماضية كانت قد شهدت تظاهرة اجتماعية تكافلية فريدة من نوعها حيث تعتبر صناعة الحلو حدثا اجتماعيا له طقوسه الممتعة وتفوح روائحه الجميلة من المنازل التي تذكر بقدوم شهر رمضان المعظم. والابري هي كلمة ريفية والحلو مر كلمة يستخدمها أهل العاصمة، ولكن الاسم الشائع في جميع ولايات السودان هو (الابري) وتتبارى النساء في صناعة الابري الذي يعتبر من أجمل المشروبات الخاصة بالسودانيين، وانه المشروب الأول والمفضل لغالبية الناس وتبدأ صناعة الحلو مر في الأحياء بتخصيص
يوم لكل أسرة، حيث تجتمع اكثر من عشرين امرأة في بيت واحد لما يسمى (بعواسة) الابري وتقوم صاحبة المنزل بإعداد اشهى الوجبات لضيافة النسوة واعداد الشاي والطعام. وقد تستغرق عواسة الابري اكثر من خمس إلى ست ساعات لان المرأة دائما تحاول توفير اكبر قدر منه حتى تقوم بتوزيعه على بناتها المتزوجات اللائي ربما يسكن في ولايات أخرى أو ربما لا يستطعن صناعته أو حتى لأقاربها كنوع من الهدية وترسل أيضاً منه كمية إلى المغتربين في دول المهجر. فالحلو مر مشروب تجاوز الحدود الجغرافية للسودان واصبح يعرفه كثير من العرب والأجانب الذين يشاركون المغتربين من أبناء السودان وجبة الإفطار. وتتفنن النسوة في إعداده كنوع من الهواية المفضلة للكثيرات وترتفع أصوات الضحك والحكي في البيت
وكأنه نوع من التواصل الاجتماعي الذي يقوي أواصر الصلات بين الجارات في الحي وقد تنشأ صداقات دائمة أثناء هذه الجلسات ويغيب رب الأسرة في هذا اليوم ليترك للنسوة حريتهن في الأنس والسمر، وتجده
إما انه خرج إلى أصدقائه أو شغل نفسه بعمل ما خارج المنزل .. وما ينتهي اليوم إلا وكان يوم غد هو عبارة عن مشهد جديد للسيناريو في بيت آخر، حيث تنتقل كافة النساء إليه وهكذا تستمر الدوامة لأكثر من شهر حتى يكون كل بيت اخذ حظه ونصيبه من صناعة وإعداد المشروب. المكونات والنكهة وتتكون عجينة الابري من دقيق الذرة أي ما يسمى (بالفتريتة) والكثير من التوابل (شمار قرفة جنزبيل وعرديب غرنجال (عرق أحمر) كمون وحلبة وتمر هندي وكركديه، تصحن جميع المكونات باستثناء
العرديب الذي ينقع في الماء ثم يصفى، وطريقة عمل الذريعة تبدأ بغسل الذرة جيدا ثم ينقع في الماء ليلة كاملة ويجهز في مكان على الأرض ويوضع عليها خيش رطب، تنشل الذرة من الماء وتفرش على الخيش الرطب، لمدة أربعة أيام ثم تغطى أيضا بالخيش الرطب تترك يوما كاملا تم تبلل، بالماء كل يوم لمدة يومين أو عندما يلاحظ أنها بدأت تنبت وتظهر عروق النبتة تترك بدون ان ترش بالماء، ثمّ تقلب على وجهها الآخر وتغطى لمدة ليلة كاملة. في اليوم التالي يصبح لون العروق احمر بعد ذلك تعرض للشمس حتى تجف ثم تطحن وتبدأ خلطة الدقيق بالماء الدافئ وإضافة جميع المكونات الأخرى أي البهارات وتترك العجينة لمدة ثلاثة أو أربعة أيام ومن بعد ذلك تبدأ عواستها بالطريقة التقليدية بوضع (الصاج) الذي صنع خصيصا لصناعة الكسرة والابري، ويوضع الصاج على أربع اثافي وبعد دهنه بالزيت تبدأ عواسة الابري بما يسمى بـ(القرقريبة) وهي أداة
للعواسة عبارة عن قطعة بلاستيكية تسهل طرح العجينة وتفريقها بصورة متماسكة على أجزاء الصاج في شكل بيضاوي وبعد ثلاث أو اربع ثوان تقوم المرأة بتطبيقها إلى مستطيلات وهنا تكون قد
أخذت لونا احمر وطعما جميلا. ومشروب الابري عبارة عن اخذ كمية من المطبقات ونقعها في الماء لمدة نصف ساعة ومن ثم يصفى ويضاف له السكر ويقدم باردا. المشروب الأول والمفضل عند الأغلبية وهنا تتحدث الحاجة فاطمة حاج علي عن صناعة الابري وتقول ان الابري هو المشروب المفضل للسودانيين وتاريخه يرجع إلى مئات السنين وهو صناعة سودانية خالصة لا تجدها في أي دولة أخرى وسمي بالحلو مر لمذاقه وهو عبارة عن طعم يجمع ما بين (الحلو والمر) وهذا ما يميزه عن غيره من المشروبات، وتضيف حاجة فاطمة التي تسكن ولاية نهر النيل أنها تقوم بإعداد الابري بكميات كبيرة لان لها اربع بنات في ولاية الخرطوم ولها ثلاثة أبناء في دول المهجر. وتعد اكثر من 15 كرتونة من الحلو فبعد ان ترسل لأبنائها ترسل لإخوانها وأخواتها الذين يقيمون أيضاً بالعاصمة، وان أعداد الحلو مر لا يستغرق اكثر من أسبوعين لان جاراتها ونساء الحي يخصصن لها يومين من أيام الأسبوع لكبر سنها عكس النساء الأخريات اللائي لهن يوم واحد فقط لصناعة الحلو مر، وتقول ان البيت السوداني الذي يخلو من مشروب الابري يكون أهله حرموا من اجمل متعة في شهر رمضان. وبالرغم من ان طاولة الإفطار عند السودانيين غنية بجميع المشروبات من عصائر طازجة ومشكلة إلا ان مشروب الحلو مر تجده يحظى بأكبر حافظة من حافظات المشروبات الأخرى وهذا دليل على انه