اعلام خاصة : سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ ، أَشْهَدُ أَنْ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ أَسْتَغْفِرُكَ وَأَتْوبُ إِلَيْكَ الجنس : عدد المساهمات : 56607 تاريخ التسجيل : 16/10/2011 الموقع : الاسكندرية المزاج : مشغول
موضوع: عتاب ونجوى الإثنين 17 يونيو 2013 - 18:35
يقول ابنُ الجَوزيّ - رحمهُ اللهُ تعالى - في كتابِه القيِّمِ صيدِ الخاطِ في فصلٍ بعنوانِ : عتابٌ ونجوى مع نفسٍ أمَّارةٍ " : **"واعَجَباً منْ عارفٍ باللهِ عزَّ وجلَّ يُخالِفُهُ ولو في تَلِفِ نفسهِ ! هل العيشُ إلاَّ معهُ ؟! هل الدنيا والآخرةُ إلاَّ لهُ ؟! ٍ ***أُفِّ لمتَرخّصِ في فعلِ ما يكرهُ لنيلِ ما يحبُّ؛ لقد فاتَهُ أضعافَ ما حصلَ . أقبِلْ على ما أقولُ ياذا الذوقِ ! * هل وقعَ لك تعثيرٌ في عيشٍ وتخبيطٌ في حالٍ إلاَّ حالِ مخالفتِه ؟! ولا انْثَنى عزمِي عن بابِكُم إلاَّ تعثّرتُ بأذيالي ** أَما سمعتَ تلك الحكايةَ عن بعضِ السَّلفِ : أنهُ قالَ : رأيتُ على سورِ بيروتَ شابّاً يذكرُ اللهَ تعالى ، فقلتُ لهُ : أَلَكَ حاجةٌ ؟ فقالَ : إذا وقَعَتْ لي حاجةٌ سألتُهُ بقلبي فَقَضاهَا ! . ***اقْبَلْ نُصحي يا مَخدوعا بغرضِهِ ! إنْ ضَعُفتَ عن حملِ بلائِه فاسْغِثْ بهِ ، وإنْ آلَمَكَ كربُ اختيارِهِ ، فإنَّك بينَ يديهِ ، ولا تَيأسَ من روحِهِ وإِنْ قَوِيَ خناقُ البلاءِ . ***أيّتُها النفسُ : لقد أعطاكِ ما لم تُؤمِّلي ، وبلَّغَكِ ما لمْ تطلٌبي ، وسترَ عليكِ من قَبيحِك ما لَو فَاحَ ضَجَّتِ المشامَّ ( أي الأنوف) ! فما هذا الضَّجيجُ من فواتِ كمالِ الأغراضِ ؟! أمملُوكةٌ أنتِ أم حُرَّةٌ ! أَما علمتِ أنَّك في دارِ التَّكليفِ ؟! أتراهُ لو هبَّت نفحةٌ فأَخذتِ البصرَ كيفَ كانت تطيبُ لكِ الدُّنيا ؟! وا أَسفَاً عليكِ ! لقد عَشِيَت البصيرةُ التي هي أشرفُ وَما علمتِ كمْ أقولُ : عسى ولعلَّ ؟ وأنتِ في الخطأِ إلى قُدَّامٍ ! ** قَرُبَت سفينةُ العُمر من ساحلِ القبرِ وما لَكِ في المركبِ بضاعةٌ تَربَحُ ... تلاعبتْ في بحرِ العمرِ ريحُ الضّعفِ ؛ ففرَّقتْ تَلفيقَ القُوى ، وكأنْ قد فصلتِ المركبُ ... لغتِ نهايةَ الأجلِ وعينُ هواكِ تتلفَّتُ إلى الصِّبا ...! *** أيَّتها النفسُ : باللهِ عليكِ ؛ لا تُشمِتي بكِ الأعداءُ هذا أقلُّ الأقسامِ ، وأَوفى منها أنْ أقولَ : باللهِ عليكِ ، لا يَفوتَنَّكِ قَدَمُ سابقٍ مع قدرتِكِ على قطعِ المِضمارِ . ***أيَّتُها النفسُ : الخُلوةَ الخُلوةَ ! واستحْضِري قرينَ العقلِ ، وَجُولِي في حَيْرَةِ الفِكر ، واسْتَدْرِكِي صُبابَةَ الأجَلِ قبلَ أنْ تميلَ بكِ الصَّبابةُ عن الصّوابِ . *** واعَجَبا ! كلَّما صَعِدَ العمرُ نَزِلتِ ! وكلَّما جَدَّ الموتُ هَزَلْتِ ! أَتُراكِ ممَّنْ خُتِمَ لهُ بفتنةٍ ، وَقُضِيتْ عليه عندَ آخرِ عُمُرِه المِحنةُ ؟! كانَ أولُ عُمُركِ خيراً من الأخيرِ ... كنتِ في زمنِ الشبابِ أصلحَ منكِ في زمنِ أيّامِ المشيبِ ! " وَتِلكَ الأمثالُ نَضْرِبُها للناسِ وَمَا يعْقِلُها إلاَّ العَالِمُون " سورة العنكبوت / الآية 43 نسألُ اللهَ عزّ وجلّ مَا لا يَحصُل إلاّ به ، وهو توفِيقُه ؛ إنّه سميعٌ مُجيبٌ ." انتهى كلامُ الإمامِ " ابنِ الجَوزِيّ " رحمهُ اللهُ المصدر : كتابُ " صَيْد الخَاطِر " لابن الجوزيّ تحقيق عامر بن علي ياسين